كيف تبدأ استثمارك الأول بثقة

إلى نسختي الأصغر سناً،

أنا أكتب لك هذه الرسالة من المستقبل. أراك الآن، تقف على الحافة، تنظر إلى “عالم الاستثمار” وتشعر بمزيج من الفضول والرعب. أنت تعتقد أنه “كازينو” للنبهاء، أو “لعبة” للكبار الأغنياء، وأنك، بكل تأكيد، ستخسر أموالك التي كسبتها بشق الأنفس.

أنت خائف. وهذا طبيعي.

أنت تعتقد أنك تحتاج إلى “سر” لا يملكه أحد، أو أنك بحاجة لقراءة 50 كتاباً قبل أن يحق لك شراء سهم واحد.

أنا هنا لأخبرك أنك مخطئ. وأنا هنا لأعطيك “الثقة” التي تبحث عنها. هذه الثقة لا تأتي من “معرفة” ما سيحدث غداً، بل من “خطة” سليمة لا تهتم بما سيحدث غداً.

لو كان بإمكاني العودة، فهذا ما كنت سأهمس به في أذنك:


1. غيّر تعريفك للعبة

أكبر خطأ ارتكبته (أو كدت ترتكبه) هو أنك تظن أن الاستثمار هو “مضاربة” (Speculation). أنت تظن أن الهدف هو شراء “سهم (س)” اليوم بسعر 10 وبيعه الأسبوع القادم بسعر 12.

هذا ليس استثماراً، هذا “قمار”.

الاستثمار الحقيقي هو “شراء ملكية”. عندما تشتري “سهماً” واحداً من شركة “آبل”، فأنت لا تشتري “رمزاً” على الشاشة؛ أنت تشتري “جزءاً” ضئيلاً جداً من كل “آيفون” يُباع، ومن كل “متجر” يُفتتح. أنت تصبح “شريكاً”.

“الثقة” تبدأ عندما تتوقف عن التفكير “كم سيرتفع هذا غداً؟” وتبدأ في التفكير “هل أريد أن أكون شريكاً في هذا العمل للعشر سنوات القادمة؟”.


2. لا تبحث عن “الإبرة”، اشترِ “كوم القش”

خوفك الأكبر هو: “ماذا أشتري؟ ماذا لو اخترت الشركة الخطأ؟ ماذا لو اخترت (نوكيا) بدلاً من (آبل)؟”.

هذا الخوف مشروع. وأنا سأعطيك “الحل السحري” الذي تمنيت لو عرفته من اليوم الأول: لست مضطراً لاختيار “الإبرة”.

يمكنك ببساطة أن تشتري “كوم القش” بأكمله.

  • كيف؟ عبر شيء يسمى “صندوق المؤشر” (Index Fund أو ETF).
  • ما هو؟ بدلاً من أن تراهن على “شركة واحدة”، يمكنك شراء “سلة” تشتري لك “أفضل 500 شركة” في أمريكا (مثل مؤشر S&P 500) دفعة واحدة.
  • لماذا هذا يمنحك الثقة؟ لأنك لم تعد تراهن على “شركة” واحدة، بل تراهن على “الاقتصاد” بأكمله. بالتأكيد، بعض الشركات في السلة ستفشل، لكن الاقتصاد ككل (تاريخياً) ينمو دائماً. رهانك أصبح “آمناً” بنسبة 99%.

3. ابنِ “درعك” أولاً

لا تذهب إلى “المعركة” (السوق) بدون “درع”. أكبر خطأ يقتل المستثمرين الجدد هو أنهم يستثمرون أموالاً “لا يستطيعون تحمل خسارتها”. يستثمرون “إيجار” الشهر القادم أو “مصاريف” الجامعة.

  • الخطة: قبل أن تستثمر “دولاراً” واحداً، يجب أن تبني “صندوق طوارئ”.
  • ما هو؟ هو حساب بنكي (وليس استثماراً) يحتوي على ما يكفي من 3 إلى 6 أشهر من مصاريفك الأساسية. هذا هو “درعك”.
  • لماذا يمنحك الثقة؟ لأنه عندما “يسقط” السوق (وهو سيسقط حتماً بشكل مؤقت)، لن تصاب بالذعر. لن تضطر “لبيع” استثماراتك بخسارة لتسديد فاتورة طارئة، لأن “درعك” (صندوق الطوارئ) سيحميك.

4. تخلَّ عن “الكرة الكريستالية”

أنت تحاول “توقيت” السوق. أنت تقول: “سأنتظر حتى ينهار السوق، ثم سأشتري”. أو “السوق مرتفع جداً الآن، سأنتظر”.

لقد حاولتُ هذا (بصفتي أنت المستقبلي) وفشلتُ فشلاً ذريعاً. لا أحد (ولا حتى وارن بافيت) يستطيع “توقيت” السوق.

  • الحل: “الاستثمار الدوري” (DCA – Dollar Cost Averaging).
  • ما هو؟ استثمر “مبلغاً ثابتاً” (ولو 100 دولار فقط) في “نفس اليوم” من “كل شهر”، بغض النظر عما تفعله السوق.
  • لماذا يمنحك الثقة؟ لأنك ألغيت “العاطفة” من المعادلة. أنت تشتري “تلقائياً”. عندما يكون السوق مرتفعاً، تشتري القليل من الأسهم. وعندما يكون السوق منخفضاً، يشتري لك نفس المبلغ “الكثير” من الأسهم (وهذا رائع!). أنت تحول “التقلب” من “عدو” إلى “صديق”.

الخلاصة: (كلمتي الأخيرة لك)

يا نسختي الأصغر، “الثقة” ليست “معرفة الغيب”. الثقة هي أن يكون لديك “خطة” بسيطة ومملة، وأن “تلتزم” بها.

  1. ابنِ “درعك” (صندوق الطوارئ).
  2. اشترِ “كوم القش” (صندوق مؤشر).
  3. استثمر “نفس المبلغ” كل شهر (استثمار دوري).
  4. افعل ذلك لمدة 30 عاماً.

أكبر خطأ مالي سترتكبه في حياتك ليس “شراء السهم الخطأ”، بل هو “الخوف” الذي منعك من البدء “اليوم”.

ابدأ الآن. ستشكرني لاحقاً.

بتوقيع، أنت في المستقبل.


Posted

in

by

Tags:

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *